الفصل الثاني :
المبحث الأول : صفات أهل الجنة
صفات أهل الجنة في القرآن الكريم :
بيان صفات أهل الجنة ما يأتي:
• الخلود في الجنة، وعدم الخروج منها :
قال الله - عز وجل: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) سورة الطلاق، أية : ۱۱ ، أي دائمون باقون فيها ملازمون لها لا يخرجون منها، وقال الله عز وجل: (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) سورة الحجر، آية ٤٨.
• لا غل ولا حقد في قلوبهم :
١- قال الله - عز وجل: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ متقابلين) سورة الحجر، آية: ٤٧.
، ولقد طهرنا قلوبهم من الحسد والغل والكراهية، فاجتمعوا فيها على المحبة والصفاء، يجلسون على سرر متقابلين ويتزاورون ويتواصلون يأمنون من التحاسد والتباغض؛ لأنه قد فقدت أسبابه.
• لا يموتون :
قال الله - عز وجل: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم) سورة الدخان، اية ٥٦، أي لا يذوقون في الجنة الموت البتة لأنهم خالدون فيها، إلا الموتة الأولى أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا، وكذلك لا ينامون؛ لأن النوم كالموت كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
• لا يخافون ولا يحزنون :
١- قال الله - عز وجل: (بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) 1 سورة البقرة آية : ١١٢.
، أي لا يخافون من ما هو آت ولا يحزنون على ما فات.
• فاكهون ومشتغلون بنعيم الجنة :
قال الله - عز وجل-: (إن أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) سورة يس آية: ٥٥
، أي في شأن كبير من المسرة والنعيم فاكهون أي مرحون في عيش ناعم.
• أزواجهم مطهرة :
قال الله - عز وجل: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة آية : ١٢٥.
أي إن أزواجهم مطهرة من الحيض والنفاس.
• لباسهم الحرير :
والسندس والذهب، قال الله - عز وجل: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أساور مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَريرٌ) سورة فاطر، آية : ٣٣.
• وجوههم مبيضة بيضاء :
قال الله - عز وجل: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة آل عمران، آية : ١٠٦ .
• لا يتعبون :
قال الله - عز وجل: (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ) سورة الحجر، أية ٤٨ ، أي لا يمسهم الإعياء والتعب.
• جزاء الله تعالى :
خلق الله عز وجل الدارين الدنيا والآخرة وجعل الدنيا دار ابتلاء واختبار ليميز الخبيث من الطيب وهو أعلم بخلقه، وجعل الآخرة دار حساب وجزاء على اختبار وابتلاء هذه الدنيا، قال الله - عز وجل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) سورة الملك آية : ٢ .
وهذا الجزاء هو الجنة والنار فالمؤمن - بالله عز وجل - يدخل الجنة والكافر يدخل النار، والجنة هي دار المتقين الصالحين المؤمنين، وهذه الجنة لها مراتب ودرجات يتفاوت فيها المؤمنون بحسب أعمالهم الصالحة التي قدموها في الدنيا.
• ثواب المتقين المؤمنين :
أعد الله عز وجل لعباده المتقين في جنات النعيم ما تشتهي الأنفس وتلذ به الأعين، قال الله - عز وجل: (وَفِيها ما تشتهيه الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة الزخرف، آية: ٧١
، وقال الله - عز وجل: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِي لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة السجدة آية : ١٧.
وعن سهل بن سعد الساعدي قال: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً وصف فيه الجنة حتى انتهى، ثم قال صلى الله عليه وسلم في آخر حديثه: (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
المبحث الثاني : انهار الجنة وعيونها
• الأنهار والعيون الممتدة في الجنة :
هناك العديد من الآيات والأحاديث الشريفة التي تحدثت عن شكل الجنة و وصفها ، والينابيع و العيون الممتدة بها ، إمعانا في وصف النعيم المقيم الذي ينتظر المقيمين بداخلها.
• أنهار الجنة و عيونها :
أنهار الجنة:
وبين تلك القصور الذهبية، والخيام البهية تجري أنهار عذبة لذة، أعدها الله للمؤمنين، ونوع أجناسها وشرابها، فمنها الماء ومنها العسل ومنها الخمر ومنها اللبن . قال تعالى: (مثلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارُ مِنْ لَبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرُ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارُ مِنْ عَسَلٍ مصفى) سورة [محمد: ۱۰].
فماء الدنيا ياسن من طول مكثه، لكن مياه أنهار الجنة لا تأسن .. ولبن الدنيا تصيبه الحموضة إذا طال مكثه، لكن لبن الآخرة لا يتغير طمعه، خمر الدنيا كريهة المذاق كريهة الرائحة، أما خمر الجنة ففيها من اللذة ما يبعث على الشرب، وعسل الدنيا تصيبه الأخلاط فلا يصفو، أما عسل الجنة فصاف لامع طري .. فاين هي الدنيا من الآخرة؟!
وكيف يحرص عاقل على لذة ناقصة فانية ويترك اللذة الكاملة الباقية؟!
«فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور»..
وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه في إسرائه - صلى الله عليه وسلم -: «رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران و نهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار ؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات» .
وتأمل أخي في هذه الأنهار وما أودع الله فيها من خيرات لم تجر العادة بمثلها في الدنيا، وتأمل فيها وهي تجري في الجنة من غير أخدود، تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار ، قال تعالى: (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) سورة البقرة: (٢٠).
وقال سبحانه (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) سورة التوبة: ٢٠٠.
وقال سبحانه (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ) سورة (الكيف: (٣١).
أما الكوثر فهو نهر من أنهار الجنة أعطاه الله سبحانه وتعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) سورة الكوثر: 1.
وعن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بينما أنا أسير في الجنة إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدرر المجوف، قلت ما هذا يا جبريل قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبه أو طينه مسك أذفر» .
واعلم أخي الكريم أن هذه الأنهار تنساب متفجرة من الأعلى، ثم تنحدر في نزول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة» .
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - كذلك أن هذه الأنهار تنشق من أربعة بحور، قال
- صلى الله عليه وسلم -:
«إنَّ في الجنة بحر العسل وبحر الخمر وبحر اللبن وبحر الماء، ثم تنشق الأنهار بعد» .
فشمر أخي عن ساعد الجد؛ فإن الأمر جلل، وإن الجنة حق، ونعيمها صدق.
أخي الكريم:
لقد خلق الله الجنة وأورثها عباده الصالحين وجعلهم فيها متفاضلين متفاوتين ولذلك كانت الجنة درجات يفضل بعضها بعضا، وكل ذلك كان فضلاً من ربك وعدلاً؛ ليشمر ويثابر من اشتاقت نفسه إلى الجنة وعلت همته لأعلى درجاتها، في ذلك النعيم المقيم قال تعالى: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَام) سورة (طه: ٧٥).
عيون الجنة:
قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
وقال سبحانه: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا).
قال بعض السلف معهم قضبان من حديد، حيثما مالوا مالت معهم.
أخي الحبيب
ما بالك بقوم سلكوا طريق النجاة وتزودوا بالطاعات واتقوا ربهم حق التقاة؛ فأورثهم الله تلك الجنات، تتفجر عيونها كل حين، تارة تمزج بالكافور فتكون باردة طيبة الرائحة، وأخرى بالزنجبيل فتكون حارة طيبة الرائحة .. قال تعالى: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا).
وقال سبحانه (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ) سورة الحجر: ٠١٥
فأحسن أخي الكريم يحسن الله إليك، وصف سعيك إلى الجنة بالصدق والإخلاص والعمل الصالح يسقيك الله من عيونه وشراب جنته.
صفى المُقَرَّبُ سَعِيَهُ فَصَفَا لَهُ
ذاك الشَّرابُ فَتِلْكَ تَصْفِيتَانِ
وفي الجنة عينان:
الأولى عين الكافور .. قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفْجَرُونَهَا تَفْجِيرًا).
وهذه العين يشرب منها المقربون الماء الخالص، وأما الأبرار فيشربونه ممزوجًا.
الثانية عين التسنيم .. قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَصْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَّحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾.